إلى متى… لا إلى أين؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

ينام الإنسان العربي ويفيق كل يوم وهو في كابوس لا نهاية له. ويتساءل كل يوم: هل هذا أنا؟ وهل هذه حقاً أمتي؟ وهل هذه لغتي؟، وهل هذه عروبتي؟ كل يوم يفيق هذا المخلوق المعذب فيجد نفسه محاصراً بجيوش من الألسنة الحاقدة، والعقول الملوثة، والوجوه اللئيمة، التي تمنع عنه التعزية بأمل، أو نور، أو ترفّق، أو وعي. كابوسان لا ينتهيان: إسرائيل في فظاعة الجريمة المكررة، الوقحة والمتغطرسة. ولغة السفه والتلوث الخلقي، وانهيار القيم، وبطولة المكاره، وسباق الرثاثة، وتفاقم الخواء. وإذ نفيق، لم نعد نبحث عن شيء آخر. استسلمنا إلى جرف الانحطاط، وارتضينا في خنوع لمقياس الخراب وبذاءة الهزيمة، التي هي أسوأ ما يحل بالشعوب والأمم، جيلاً بعد جيل.

نفوس حزينة كسرها الرعب والرهبة. ونفوس تخاف النعوت، وطغيان الشتائم، وجبن مديد يتلطى بالحرص على ما بقي من قواعد وأعراف وآداب وأصول.

والسؤال الأكبر ليس إلى أين، بل إلى متى؟. كلما سادت هذه اللغة، محا الشعور بالهزيمة إحساسنا بكرامتنا البشرية. مواطنون بلا وطن، وأوطان غريبة عن أهلها. ركام النفوس وركام الحجارة. منعتنا إسرائيل حتى من تفقد الأطفال. حتى من إطعامهم. حتى من سقي الحمير التي يتنقلون عليها، ومعهم كل ما يملكون على وجه الأرض.

لكن اللغة التي نناقش بها قضايانا أقسى من ذلك. وأفظع وأفرغ. وأذل. لغة التفاصيل والتباعد والتحقير. لغة الخلو من الإنسان وكرامته وحقوقه. هذا التخاطب يصبح مع الوقت لغتنا الوحيدة، وليس البديلة. نتخاطب كالوحوش، ونتحاور كالكواسر. إلى متى؟... إلى متى ليس لدينا ما نقدمه لأجيالنا سوى هذا السفه والهوان؟!

إلى متى هذا التنكيل بكل ما أورثنا المعلمون، والمقدرون، وكبار الأهل، والعدل، والمُثل؟


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

إلى متى… لا إلى أين؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

ينام الإنسان العربي ويفيق كل يوم وهو في كابوس لا نهاية له. ويتساءل كل يوم: هل هذا أنا؟ وهل هذه حقاً أمتي؟ وهل هذه لغتي؟، وهل هذه عروبتي؟ كل يوم يفيق هذا المخلوق المعذب فيجد نفسه محاصراً بجيوش من الألسنة الحاقدة، والعقول الملوثة، والوجوه اللئيمة، التي تمنع عنه التعزية بأمل، أو نور، أو ترفّق، أو وعي. كابوسان لا ينتهيان: إسرائيل في فظاعة الجريمة المكررة، الوقحة والمتغطرسة. ولغة السفه والتلوث الخلقي، وانهيار القيم، وبطولة المكاره، وسباق الرثاثة، وتفاقم الخواء. وإذ نفيق، لم نعد نبحث عن شيء آخر. استسلمنا إلى جرف الانحطاط، وارتضينا في خنوع لمقياس الخراب وبذاءة الهزيمة، التي هي أسوأ ما يحل بالشعوب والأمم، جيلاً بعد جيل.

نفوس حزينة كسرها الرعب والرهبة. ونفوس تخاف النعوت، وطغيان الشتائم، وجبن مديد يتلطى بالحرص على ما بقي من قواعد وأعراف وآداب وأصول.

والسؤال الأكبر ليس إلى أين، بل إلى متى؟. كلما سادت هذه اللغة، محا الشعور بالهزيمة إحساسنا بكرامتنا البشرية. مواطنون بلا وطن، وأوطان غريبة عن أهلها. ركام النفوس وركام الحجارة. منعتنا إسرائيل حتى من تفقد الأطفال. حتى من إطعامهم. حتى من سقي الحمير التي يتنقلون عليها، ومعهم كل ما يملكون على وجه الأرض.

لكن اللغة التي نناقش بها قضايانا أقسى من ذلك. وأفظع وأفرغ. وأذل. لغة التفاصيل والتباعد والتحقير. لغة الخلو من الإنسان وكرامته وحقوقه. هذا التخاطب يصبح مع الوقت لغتنا الوحيدة، وليس البديلة. نتخاطب كالوحوش، ونتحاور كالكواسر. إلى متى؟... إلى متى ليس لدينا ما نقدمه لأجيالنا سوى هذا السفه والهوان؟!

إلى متى هذا التنكيل بكل ما أورثنا المعلمون، والمقدرون، وكبار الأهل، والعدل، والمُثل؟


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

إلى متى… لا إلى أين؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

ينام الإنسان العربي ويفيق كل يوم وهو في كابوس لا نهاية له. ويتساءل كل يوم: هل هذا أنا؟ وهل هذه حقاً أمتي؟ وهل هذه لغتي؟، وهل هذه عروبتي؟ كل يوم يفيق هذا المخلوق المعذب فيجد نفسه محاصراً بجيوش من الألسنة الحاقدة، والعقول الملوثة، والوجوه اللئيمة، التي تمنع عنه التعزية بأمل، أو نور، أو ترفّق، أو وعي. كابوسان لا ينتهيان: إسرائيل في فظاعة الجريمة المكررة، الوقحة والمتغطرسة. ولغة السفه والتلوث الخلقي، وانهيار القيم، وبطولة المكاره، وسباق الرثاثة، وتفاقم الخواء. وإذ نفيق، لم نعد نبحث عن شيء آخر. استسلمنا إلى جرف الانحطاط، وارتضينا في خنوع لمقياس الخراب وبذاءة الهزيمة، التي هي أسوأ ما يحل بالشعوب والأمم، جيلاً بعد جيل.

نفوس حزينة كسرها الرعب والرهبة. ونفوس تخاف النعوت، وطغيان الشتائم، وجبن مديد يتلطى بالحرص على ما بقي من قواعد وأعراف وآداب وأصول.

والسؤال الأكبر ليس إلى أين، بل إلى متى؟. كلما سادت هذه اللغة، محا الشعور بالهزيمة إحساسنا بكرامتنا البشرية. مواطنون بلا وطن، وأوطان غريبة عن أهلها. ركام النفوس وركام الحجارة. منعتنا إسرائيل حتى من تفقد الأطفال. حتى من إطعامهم. حتى من سقي الحمير التي يتنقلون عليها، ومعهم كل ما يملكون على وجه الأرض.

لكن اللغة التي نناقش بها قضايانا أقسى من ذلك. وأفظع وأفرغ. وأذل. لغة التفاصيل والتباعد والتحقير. لغة الخلو من الإنسان وكرامته وحقوقه. هذا التخاطب يصبح مع الوقت لغتنا الوحيدة، وليس البديلة. نتخاطب كالوحوش، ونتحاور كالكواسر. إلى متى؟... إلى متى ليس لدينا ما نقدمه لأجيالنا سوى هذا السفه والهوان؟!

إلى متى هذا التنكيل بكل ما أورثنا المعلمون، والمقدرون، وكبار الأهل، والعدل، والمُثل؟


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

إلى متى… لا إلى أين؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

ينام الإنسان العربي ويفيق كل يوم وهو في كابوس لا نهاية له. ويتساءل كل يوم: هل هذا أنا؟ وهل هذه حقاً أمتي؟ وهل هذه لغتي؟، وهل هذه عروبتي؟ كل يوم يفيق هذا المخلوق المعذب فيجد نفسه محاصراً بجيوش من الألسنة الحاقدة، والعقول الملوثة، والوجوه اللئيمة، التي تمنع عنه التعزية بأمل، أو نور، أو ترفّق، أو وعي. كابوسان لا ينتهيان: إسرائيل في فظاعة الجريمة المكررة، الوقحة والمتغطرسة. ولغة السفه والتلوث الخلقي، وانهيار القيم، وبطولة المكاره، وسباق الرثاثة، وتفاقم الخواء. وإذ نفيق، لم نعد نبحث عن شيء آخر. استسلمنا إلى جرف الانحطاط، وارتضينا في خنوع لمقياس الخراب وبذاءة الهزيمة، التي هي أسوأ ما يحل بالشعوب والأمم، جيلاً بعد جيل.

نفوس حزينة كسرها الرعب والرهبة. ونفوس تخاف النعوت، وطغيان الشتائم، وجبن مديد يتلطى بالحرص على ما بقي من قواعد وأعراف وآداب وأصول.

والسؤال الأكبر ليس إلى أين، بل إلى متى؟. كلما سادت هذه اللغة، محا الشعور بالهزيمة إحساسنا بكرامتنا البشرية. مواطنون بلا وطن، وأوطان غريبة عن أهلها. ركام النفوس وركام الحجارة. منعتنا إسرائيل حتى من تفقد الأطفال. حتى من إطعامهم. حتى من سقي الحمير التي يتنقلون عليها، ومعهم كل ما يملكون على وجه الأرض.

لكن اللغة التي نناقش بها قضايانا أقسى من ذلك. وأفظع وأفرغ. وأذل. لغة التفاصيل والتباعد والتحقير. لغة الخلو من الإنسان وكرامته وحقوقه. هذا التخاطب يصبح مع الوقت لغتنا الوحيدة، وليس البديلة. نتخاطب كالوحوش، ونتحاور كالكواسر. إلى متى؟... إلى متى ليس لدينا ما نقدمه لأجيالنا سوى هذا السفه والهوان؟!

إلى متى هذا التنكيل بكل ما أورثنا المعلمون، والمقدرون، وكبار الأهل، والعدل، والمُثل؟


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

التنظيمات المسلَّحة: هل من مخرج؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

أَبلغَ وزيرُ الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، المسؤولين اللبنانيين أنه قادمٌ إليهم في زيارةٍ، مجهولة المقاصد والأهداف. قابل عراقجي الرؤساءَ الثلاثة بالطبع، لكنّ الأهمّ في زيارات المسؤولين الإيرانيين للبنان منذ 30 عاماً وأكثر أنها تكون في الحقيقة إلى «حزب الله» ومسؤوليه، وليست للدولة اللبنانية. وإلى «الحزب»، وقبل المسؤولين اللبنانيين أيضاً، كانت تأتي الزيارة لسوريا الأسدية، كما كان المقصود في زيارة لبنان مقابلة حسن نصر الله فحسب.

حدثت متغيراتٌ كثيرةٌ إذن، ومع ذلك لا يزال «الحزب» المسلح موجوداً، وكذلك بقي ولاؤه لإيران. وهو يجادل المسؤولين اللبنانيين في الأسابيع الأخيرة بأنه لن ينزع سلاحه وفق القرار الدولي رقم «1701» إلا إذا وفّى الإسرائيليون من جانبهم بشروط القرار أيضاً، وهم لم يفعلوا حتى الآن. أما الإيرانيون في تصريحاتهم فإنهم غير مهتمين بالقرار الدولي، بل هم مهتمون ببقاء المقاومة لإسرائيل. ويجادلهم خصومُ «الحزبِ» ومقاومتِه بأنّ ذلك لم يَعدْ مفيداً، فقد انكسر «الحزب» كسرةً لا تنجبر. ثم إن إسرائيل وأميركا معاً تهددان لبنان بالحرب يومياً؛ ليس فقط إن تحرك «الحزب» ضدهم، بل وإن بقي سلاحه معه وهو في أقاصي الهرمل.

لماذا يأتي عراقجي؟ المحادثات النووية مع أميركا لا تجري جيداً، والتوتر يزداد، وإسرائيل وإيران تتبادلان التهديدات من دون انقطاع: فهل يحتاج الإيرانيون إلى سلاح «الحزب» من جديد إذا تبادلوا الضربات مع إسرائيل؟ وألا يخشى «العقل الشيعي الأعلى» حرباً مدمِّرةً على لبنان وإيران؟

«حزب الله» تنظيم مسلح كان يخدم منذ قيامه إيرانَ وسوريا. لكنه أيضاً صار يدّعي حفظ مصالح الشيعة ضمن النظام اللبناني. وقد حصلوا بالفعل على ميزات في سائر المؤسسات ومن خارج المؤسسات وفوقها. ولذلك؛ إلى جانب الارتباط بإيران، هناك الابتزازُ بالسلاح داخل الدولة. التنظيم المسلَّح داخل الدولة سوءٌ كلُّه، سواء في الحرب والسلم. ومنذ زمان يعرض النظام اللبناني على «الحزب» خطة يسميها: «الاستراتيجية الدفاعية لضم السلاح والعناصر الرئيسية إلى الجيش»، وكان «الحزب» يرفض أو يراوغ. والمسألة الآن ليست فقط ضغطَ النظام اللبناني على «الحزب»، بل وضغط أميركا وإسرائيل التي لا تزال تُغِير وتقتل كل يوم في جنوب لبنان وخارجه.

في سوريا مشكلةُ ميليشياتٍ كبرى أيضاً إلى جانب الجيوش الأجنبية. وكانت التنظيمات بالعشرات، لكنها انحصرت الآن في: مَن مع النظام الجديد، ومَن ضده، ومَن هو تابع للجيوش التي على الأرض. ولدى النظام خطة وافق عليها الأميركيون تقول بدمج الميليشيات الموالية في الجيش الوطني الجديد، حتى لو كانوا أجانب أو متطرفين. لكن يبقى مسلحو الأكراد، وهم سوريون أو قادمون من تركيا وعددهم كبير. ثم هناك المسلحون التابعون للجيش الأميركي، والآخرون التابعون للجيش التركي.

وقد لا يستطيع هؤلاء - بخلاف شراذم «داعش» - الصمود في وجه الضغوط، لكنّ الأمر يبقى صعباً، فقد تَعوّد هؤلاء على حمل السلاح وعلى التكسُّب به. لكن إذا أجمع العرب والأتراك والأميركيون على دعم النظام الجديد، فقد تنجح المحاولات لإنشاء جيش واحد، لكنّ ذلك يستغرق سنوات. فها هو العراق، الذي يحاول منذ أكثر من 5 سنوات استيعاب الميليشيات الشيعية الموالية لإيران ضمن الجيش، وقد أعطاهم مرتبات، وزعماؤهم منضوون في النظام، ما أمكَنَ له تحقيق الاندماج، وهؤلاء لا يتقاضون مرتبات فقط؛ بل ويسيطرون على نواحٍ ومرافق بالبلاد للكسب أيضاً. فكيف تريد الدولة العراقية الخلاص؟

ولنذهب إلى ليبيا التي تنتشر في غربها ووسطها عشرات الميليشيات التي زعمت أنها إنما قامت لتحقيق أهداف الثورة. ووَضْعُها مثل وضْعِ ميليشيات العراق، فهي تتقاضى رواتب، وإلى ذلك لها علاقات بجهات أجنبية أمنية وسياسية عدة. ولا يمضي شهر إلا وتتصارع بينها على الموارد والمساحات وأيها الأقرب إلى الآبار النفطية. من يجرد هذه الميليشيات من سلاحها؟ في غرب ليبيا لا يجرؤ أحدٌ على ذكر ذلك، وإنما يتحدث عن ذلك الدوليون وأعداؤهم في شرق ليبيا. هل إلى خروجٍ من سبيل؟ الحظوظ ليست كبيرة إلا بالتوافق، وهو لن يحدث بسبب صراع الغرب مع الشرق على السلطة والموارد.

وهناك رهانَا اليمن والسودان على حاضر العرب ومستقبلهم. في اليمن الدولة الشرعية، ودولة ميليشيا الحوثي المسيطرة على العاصمة والسواحل بالشمال. وفي السودان حرب طاحنة بين الجيش وميليشيا «الدعم السريع» المسيطرة على إقليم دارفور والجوار.

التنظيمات المسلحة التي لديها ادعاءاتٌ أو من دونها، تُظهرُ قدرةً على الاستمرار وعلى النزوع إلى القتال ضد السلطات؛ من أجل البقاء والاستيلاء، ولا دولة مع ميليشيا أياً تكن الأسباب.

ما أصعب المخارج، وما أصعب استعادة الدولة إذا اضطرب المجتمع.


رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية

قراءة المزيد

التنظيمات المسلَّحة: هل من مخرج؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

أَبلغَ وزيرُ الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، المسؤولين اللبنانيين أنه قادمٌ إليهم في زيارةٍ، مجهولة المقاصد والأهداف. قابل عراقجي الرؤساءَ الثلاثة بالطبع، لكنّ الأهمّ في زيارات المسؤولين الإيرانيين للبنان منذ 30 عاماً وأكثر أنها تكون في الحقيقة إلى «حزب الله» ومسؤوليه، وليست للدولة اللبنانية. وإلى «الحزب»، وقبل المسؤولين اللبنانيين أيضاً، كانت تأتي الزيارة لسوريا الأسدية، كما كان المقصود في زيارة لبنان مقابلة حسن نصر الله فحسب.

حدثت متغيراتٌ كثيرةٌ إذن، ومع ذلك لا يزال «الحزب» المسلح موجوداً، وكذلك بقي ولاؤه لإيران. وهو يجادل المسؤولين اللبنانيين في الأسابيع الأخيرة بأنه لن ينزع سلاحه وفق القرار الدولي رقم «1701» إلا إذا وفّى الإسرائيليون من جانبهم بشروط القرار أيضاً، وهم لم يفعلوا حتى الآن. أما الإيرانيون في تصريحاتهم فإنهم غير مهتمين بالقرار الدولي، بل هم مهتمون ببقاء المقاومة لإسرائيل. ويجادلهم خصومُ «الحزبِ» ومقاومتِه بأنّ ذلك لم يَعدْ مفيداً، فقد انكسر «الحزب» كسرةً لا تنجبر. ثم إن إسرائيل وأميركا معاً تهددان لبنان بالحرب يومياً؛ ليس فقط إن تحرك «الحزب» ضدهم، بل وإن بقي سلاحه معه وهو في أقاصي الهرمل.

لماذا يأتي عراقجي؟ المحادثات النووية مع أميركا لا تجري جيداً، والتوتر يزداد، وإسرائيل وإيران تتبادلان التهديدات من دون انقطاع: فهل يحتاج الإيرانيون إلى سلاح «الحزب» من جديد إذا تبادلوا الضربات مع إسرائيل؟ وألا يخشى «العقل الشيعي الأعلى» حرباً مدمِّرةً على لبنان وإيران؟

«حزب الله» تنظيم مسلح كان يخدم منذ قيامه إيرانَ وسوريا. لكنه أيضاً صار يدّعي حفظ مصالح الشيعة ضمن النظام اللبناني. وقد حصلوا بالفعل على ميزات في سائر المؤسسات ومن خارج المؤسسات وفوقها. ولذلك؛ إلى جانب الارتباط بإيران، هناك الابتزازُ بالسلاح داخل الدولة. التنظيم المسلَّح داخل الدولة سوءٌ كلُّه، سواء في الحرب والسلم. ومنذ زمان يعرض النظام اللبناني على «الحزب» خطة يسميها: «الاستراتيجية الدفاعية لضم السلاح والعناصر الرئيسية إلى الجيش»، وكان «الحزب» يرفض أو يراوغ. والمسألة الآن ليست فقط ضغطَ النظام اللبناني على «الحزب»، بل وضغط أميركا وإسرائيل التي لا تزال تُغِير وتقتل كل يوم في جنوب لبنان وخارجه.

في سوريا مشكلةُ ميليشياتٍ كبرى أيضاً إلى جانب الجيوش الأجنبية. وكانت التنظيمات بالعشرات، لكنها انحصرت الآن في: مَن مع النظام الجديد، ومَن ضده، ومَن هو تابع للجيوش التي على الأرض. ولدى النظام خطة وافق عليها الأميركيون تقول بدمج الميليشيات الموالية في الجيش الوطني الجديد، حتى لو كانوا أجانب أو متطرفين. لكن يبقى مسلحو الأكراد، وهم سوريون أو قادمون من تركيا وعددهم كبير. ثم هناك المسلحون التابعون للجيش الأميركي، والآخرون التابعون للجيش التركي.

وقد لا يستطيع هؤلاء - بخلاف شراذم «داعش» - الصمود في وجه الضغوط، لكنّ الأمر يبقى صعباً، فقد تَعوّد هؤلاء على حمل السلاح وعلى التكسُّب به. لكن إذا أجمع العرب والأتراك والأميركيون على دعم النظام الجديد، فقد تنجح المحاولات لإنشاء جيش واحد، لكنّ ذلك يستغرق سنوات. فها هو العراق، الذي يحاول منذ أكثر من 5 سنوات استيعاب الميليشيات الشيعية الموالية لإيران ضمن الجيش، وقد أعطاهم مرتبات، وزعماؤهم منضوون في النظام، ما أمكَنَ له تحقيق الاندماج، وهؤلاء لا يتقاضون مرتبات فقط؛ بل ويسيطرون على نواحٍ ومرافق بالبلاد للكسب أيضاً. فكيف تريد الدولة العراقية الخلاص؟

ولنذهب إلى ليبيا التي تنتشر في غربها ووسطها عشرات الميليشيات التي زعمت أنها إنما قامت لتحقيق أهداف الثورة. ووَضْعُها مثل وضْعِ ميليشيات العراق، فهي تتقاضى رواتب، وإلى ذلك لها علاقات بجهات أجنبية أمنية وسياسية عدة. ولا يمضي شهر إلا وتتصارع بينها على الموارد والمساحات وأيها الأقرب إلى الآبار النفطية. من يجرد هذه الميليشيات من سلاحها؟ في غرب ليبيا لا يجرؤ أحدٌ على ذكر ذلك، وإنما يتحدث عن ذلك الدوليون وأعداؤهم في شرق ليبيا. هل إلى خروجٍ من سبيل؟ الحظوظ ليست كبيرة إلا بالتوافق، وهو لن يحدث بسبب صراع الغرب مع الشرق على السلطة والموارد.

وهناك رهانَا اليمن والسودان على حاضر العرب ومستقبلهم. في اليمن الدولة الشرعية، ودولة ميليشيا الحوثي المسيطرة على العاصمة والسواحل بالشمال. وفي السودان حرب طاحنة بين الجيش وميليشيا «الدعم السريع» المسيطرة على إقليم دارفور والجوار.

التنظيمات المسلحة التي لديها ادعاءاتٌ أو من دونها، تُظهرُ قدرةً على الاستمرار وعلى النزوع إلى القتال ضد السلطات؛ من أجل البقاء والاستيلاء، ولا دولة مع ميليشيا أياً تكن الأسباب.

ما أصعب المخارج، وما أصعب استعادة الدولة إذا اضطرب المجتمع.


رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية

قراءة المزيد

إلى متى… لا إلى أين؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

ينام الإنسان العربي ويفيق كل يوم وهو في كابوس لا نهاية له. ويتساءل كل يوم: هل هذا أنا؟ وهل هذه حقاً أمتي؟ وهل هذه لغتي؟، وهل هذه عروبتي؟ كل يوم يفيق هذا المخلوق المعذب فيجد نفسه محاصراً بجيوش من الألسنة الحاقدة، والعقول الملوثة، والوجوه اللئيمة، التي تمنع عنه التعزية بأمل، أو نور، أو ترفّق، أو وعي. كابوسان لا ينتهيان: إسرائيل في فظاعة الجريمة المكررة، الوقحة والمتغطرسة. ولغة السفه والتلوث الخلقي، وانهيار القيم، وبطولة المكاره، وسباق الرثاثة، وتفاقم الخواء. وإذ نفيق، لم نعد نبحث عن شيء آخر. استسلمنا إلى جرف الانحطاط، وارتضينا في خنوع لمقياس الخراب وبذاءة الهزيمة، التي هي أسوأ ما يحل بالشعوب والأمم، جيلاً بعد جيل.

نفوس حزينة كسرها الرعب والرهبة. ونفوس تخاف النعوت، وطغيان الشتائم، وجبن مديد يتلطى بالحرص على ما بقي من قواعد وأعراف وآداب وأصول.

والسؤال الأكبر ليس إلى أين، بل إلى متى؟. كلما سادت هذه اللغة، محا الشعور بالهزيمة إحساسنا بكرامتنا البشرية. مواطنون بلا وطن، وأوطان غريبة عن أهلها. ركام النفوس وركام الحجارة. منعتنا إسرائيل حتى من تفقد الأطفال. حتى من إطعامهم. حتى من سقي الحمير التي يتنقلون عليها، ومعهم كل ما يملكون على وجه الأرض.

لكن اللغة التي نناقش بها قضايانا أقسى من ذلك. وأفظع وأفرغ. وأذل. لغة التفاصيل والتباعد والتحقير. لغة الخلو من الإنسان وكرامته وحقوقه. هذا التخاطب يصبح مع الوقت لغتنا الوحيدة، وليس البديلة. نتخاطب كالوحوش، ونتحاور كالكواسر. إلى متى؟... إلى متى ليس لدينا ما نقدمه لأجيالنا سوى هذا السفه والهوان؟!

إلى متى هذا التنكيل بكل ما أورثنا المعلمون، والمقدرون، وكبار الأهل، والعدل، والمُثل؟


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

إلى متى… لا إلى أين؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

ينام الإنسان العربي ويفيق كل يوم وهو في كابوس لا نهاية له. ويتساءل كل يوم: هل هذا أنا؟ وهل هذه حقاً أمتي؟ وهل هذه لغتي؟، وهل هذه عروبتي؟ كل يوم يفيق هذا المخلوق المعذب فيجد نفسه محاصراً بجيوش من الألسنة الحاقدة، والعقول الملوثة، والوجوه اللئيمة، التي تمنع عنه التعزية بأمل، أو نور، أو ترفّق، أو وعي. كابوسان لا ينتهيان: إسرائيل في فظاعة الجريمة المكررة، الوقحة والمتغطرسة. ولغة السفه والتلوث الخلقي، وانهيار القيم، وبطولة المكاره، وسباق الرثاثة، وتفاقم الخواء. وإذ نفيق، لم نعد نبحث عن شيء آخر. استسلمنا إلى جرف الانحطاط، وارتضينا في خنوع لمقياس الخراب وبذاءة الهزيمة، التي هي أسوأ ما يحل بالشعوب والأمم، جيلاً بعد جيل.

نفوس حزينة كسرها الرعب والرهبة. ونفوس تخاف النعوت، وطغيان الشتائم، وجبن مديد يتلطى بالحرص على ما بقي من قواعد وأعراف وآداب وأصول.

والسؤال الأكبر ليس إلى أين، بل إلى متى؟. كلما سادت هذه اللغة، محا الشعور بالهزيمة إحساسنا بكرامتنا البشرية. مواطنون بلا وطن، وأوطان غريبة عن أهلها. ركام النفوس وركام الحجارة. منعتنا إسرائيل حتى من تفقد الأطفال. حتى من إطعامهم. حتى من سقي الحمير التي يتنقلون عليها، ومعهم كل ما يملكون على وجه الأرض.

لكن اللغة التي نناقش بها قضايانا أقسى من ذلك. وأفظع وأفرغ. وأذل. لغة التفاصيل والتباعد والتحقير. لغة الخلو من الإنسان وكرامته وحقوقه. هذا التخاطب يصبح مع الوقت لغتنا الوحيدة، وليس البديلة. نتخاطب كالوحوش، ونتحاور كالكواسر. إلى متى؟... إلى متى ليس لدينا ما نقدمه لأجيالنا سوى هذا السفه والهوان؟!

إلى متى هذا التنكيل بكل ما أورثنا المعلمون، والمقدرون، وكبار الأهل، والعدل، والمُثل؟


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

حذارِ من محاولات «تخصيب» سلاح «حزب الله»!

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

في الشهر السابع على اتفاق وقف النار، وبعد نحو من أربعة أشهر على تأليف الحكومة، لا يشي أداء السلطة اللبنانية باقتناعها بأنها لا تملك ترف الوقت لتنفيذ هذا الاتفاق بشكل صارم، بعدما بات ملزماً لها، رغم أنها لم تكن شريكاً بالتفاوض عليه.

تكرار الخطاب الرسمي الذي يعلن التمسك بحصرية السلاح، وهو حق ملازم لوجود الدولة ومن صلب اختصاصها، ولا يرفق بخطوات تنفيذية أعمق وأكثر ملموسية لجمع السلاح اللاشرعي، أوجد حالة مراوحة تنذر بإطالة أمد الاحتلال وربما توسعه. إنها مراوحة مقلقة تمنح العدو، الذي لا ينتظر هذه الهدية، ذرائع إضافية تستمر معها استباحته للبنان وإبقاؤه ساحة حربٍ مفتوحة.

الخارج المؤثر بالمجرى العام للأحداث في لبنان وكل بلدان المنطقة، أي واشنطن، كما الدول المانحة، ولا سيما دول الخليج، التي من دون دعمها يستحيل بدء مرحلة نهوضٍ وتعافٍ، هي مرحلياً في لقاء موضوعي مع المصالح الوطنية اللبنانية لجهة بسط السيادة كاملة بقوى الشرعية وحدها من دون شريك. والممر المفضي إلى ذلك يفترض ضرورة وضع جدول زمني نهائي لعملية جمع المتبقي من السلاح اللاشرعي، بدءاً من جنوب الليطاني إلى شماله، فالضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. كما تثبيت انتشار الجيش على كل الحدود جنوباً وشرقاً وشمالاً، لكي تنطلق المعالجة النهائية للخلافات الحدودية التي نشأت منذ ترسيم الخط الأزرق، خط انسحاب قوات الاحتلال من الجنوب اللبناني في عام ألفين.

لا بديل عن مسار جمع السلاح اللاشرعي، الذي مُنِحَ دفعاً إيجابياً بقرار الشرعية الفلسطينية رفع الغطاء عن السلاح الفلسطيني ودعم بسط السيادة اللبنانية على المخيمات. ولا بديل عن مسار تفكيك أي شيء يرمز إلى بنى عسكرية ميليشياوية، أو تلك التي تختبئ خلف عناوين كشفية، حتى يكون متاحاً للبنان قيام صندوقٍ خاصٍ بإعادة إعمار ما تسببت به حرب «الإسناد» من دمار يفوق بمراحل دمار حرب تموز (يوليو) عام 2006، وقد أعلن رئيس الحكومة نواف سلام أن التكلفة تقدر بـ7 مليارات دولار!

مفيد هنا التذكير بأن الطروحات التي تزامنت مع المراحل الممهدة لاتفاق وقف النار وما تلاها، قالت إن مثل هذا الصندوق سيكون بإشراف دولي شراكة مع السلطة اللبنانية، لأن الجهات المانحة لن تقبل أن تُلدغ من الجحر إياه مرتين. وهي بذلك تلتقي مع مصالح اللبنانيين بضرورة إعادة الإعمار لضمان عودة مستدامة آمنة لعشرات ألوف الأسر التي فقدت بيوتها وأُزيلت بلداتها عن الخريطة، بالحؤول دون تكرار إقامة «مترو أنفاقٍ» جديد كما حدث بعد «حرب تموز» في الضاحية الجنوبية والكثير من البلدات الحدودية وأبعد منها!

بسط السيادة واستكمال استعادة الدولة لبدء إعادة الإعمار، ووضع لبنان على سكة التعافي استناداً إلى إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية لا تقبل اللبس، وهذا ملف كبير آخر...، بما هي محاور المصالح الوطنية، تقع على طرفي نقيض مع خطاب «حزب الله» الذي أربك السلطة وعطل الكثير من فعاليتها، ويكاد يفقدها «المومنتم» الشعبي الذي رافق عملية الانتقال السياسي من الشغور في الرئاسة والفراغ في السلطة، وأشعر اللبنانيين بأن زمن التحول الإيجابي لا يمكن كبحه. فـ«الحزب» يتصرف من موقع المنتصر، ويدمن على تكرار سرديات تهاوت، تتمحور حول «قدسية» السلاح ومحورية دور «المقاومة»، ولا يريد لجمهوره أن يصدق مُرّ الواقع الذي دفعه إليه. فيهدد السلطة بأن الفرصة الأخيرة التي منحها لها وللبلد تنفد، وما لم تُنفذ أجندته فسيذهب إلى «خيارات أخرى»! يتجاهل مسؤوليته والرئيس نبيه بري عن وزر اتفاق إذلال، منح العدو «حق» اصطياد عناصره ومواصلة التدمير تحت عناوين منعه من إعادة بناء قدراته العسكرية. وفي غربة عن الواقع وإنكار لمصالح الناس والبلد يقول إنه بعد وقف الاعتداءات وتحرير الأسرى وانطلاق عجلة إعادة الإعمار سيكون متاحاً التفاوض على «استراتيجية دفاعية» لا تحمل عنوان تسليم السلاح!

إنه مخطط يرمي لإعادة «تخصيب» السلاح اللاشرعي، وقد حملت زيارة عباس عراقجي لبيروت دفعاً إيرانياً له. فطهران متمسكة بحماية هذا السلاح ومنع تسليمه، ليستمر ورقة ضغط تواكب المفاوضات الإيرانية - الأميركية، كما قاعدة لرهانٍ إيراني على أن يبقى لـ«حزب الله» الدور الفاعل في لبنان وخارجه. ويصف إعلام طهران ذلك بأنه «لا تنازل عن حقوق إيران وتثبيت حضورها في المقاومة» (...) من دون النظر للتكلفة التي يرتبها هذا المنحى على لبنان لجهة ترسخ الاحتلال وبقائه يراوح على رصيف الانتظار.

الأمر الأكيد أن «حزب الله» في موقع العجز عن استيعاب حجم التحولات، وعدم القدرة على قراءة دروس حربه المدمرة للبلد. المواقف اللامسؤولة لقيادته، يضخم العدو من عدوانيتها، رغم واقع انتزاعه مخالب الحزب وأظافيره، فيغطي في ذلك نهج البقاء في حربٍ دائمة ضد لبنان، لأن المهمة الإسرائيلية بإنهاء الأذرع الإيرانية لم تكتمل، فإلى متى ستتأخر استفاقة السلطة وقيامها بواجبها؟


حنا صالح
صحافي وكاتب لبناني. رئيس تحرير جريدة «النداء» اليومية (1975 - 1985). مؤسس ورئيس مجلس إدارة ومدير عام راديو «صوت الشعب» (1986 - 1994). مؤسس ورئيس مجلس إدارة ومدير عام تلفزيون «الجديد» (1990 - 1994). مؤسس ومدير عام «دلتا برودكشن» لخدمات الأخبار والإنتاج المرئي (2006 - 2017). كاتب في «الشرق الأوسط».

قراءة المزيد

مشهد الشرق الجديد… من يرسمه؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

«الشرق الأوسط الجديد ليس حلماً... عندما تُريده، يصبح حقيقة».

هكذا استخلص الكاتب الإسرائيلي آدم سكوت بيلوس في مقالة له بجريدة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية تحت عنوان: «البنّاؤون ضد المدمّرين: لماذا رفض الشرق الأوسط الجديد نهاية العالم؟».

يزعم الكاتبُ أن هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) كان يشبه هجوم الشابّ الصربي المتطرف على أرشيدوق النمسا فرانتز فرديناند وقتله عام 1914. هذا الحادث الذي دفع أوروبا والعالم إلى إشعال الحرب العالمية الأولى، وكذلك كان هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حسب الكاتب الإسرائيلي، كان من المفترض أن يشعل هجوم السابع من أكتوبر انفجاراً إقليمياً كارثياً؛ لعكس مسار التاريخ وإشعال حرب مقدسة جديدة، حسب قوله.

بدلاً من الانهيار في الفوضى - والكلام ما زال لصاحبه - «أدركت الحكومات العربية - وشعوبها - أن السابع من أكتوبر كان بمثابة النَفَس الأخير للآيديولوجيات التي استعبدت المنطقة لقرنٍ من الزمان. من الدماء والركام، تُرسم الآن خريطة جديدة. الشرق الأوسط الجديد يُبنى على يد أولئك الذين اختاروا العقل على التعصب، والابتكار على الظلم، والكرامة على دور الضحية الدائم».

ومع ذلك يرى الكاتب أن الهيكل الأمني الجديد في الشرق الأوسط، هشٌّ، يواجه تحديات، أبرزها محاولات متوقعة من إيران وتركيا وبقايا الحركات الإسلامية لمقاومته، وسعي آلات الدعاية المتطرفة إلى تأجيج المظالم القديمة.

هذه خلاصة رأي من النخبة الإسرائيلية، ومهم أن نعرف كيف يرى العقل الإسرائيلي طبيعة المشهد في منطقتنا، هكذا تصل إلى التصور الصحيح، وتبني على الشيء مقتضاه.

نعم صحيح، أن محور الممانعة وتوابعه بقيادة إيران، شيعياً، والإخوان سُنيّاً، وبينهما أوشابٌ من بُقعٍ ثورية علمانية هنا وهناك، هذا المحور «تعوّر» وأُصيب بجروح بالغة، وتراجع زخمه وموقعه، لكنه - بالمناسبة - لم يمت.

غير أنه مَن قال إن البديل سيكون كما تصوره الكاتب الإسرائيلي؟!

الواقع أن «عقلاء» العرب منذ أيام الزعيم التونسي بورقيبة إلى أنور السادات والملك فهد ثم الملك عبد الله، وغيرهم، قدّموا جملة من مشاريع السلام وإنهاء المعضلة في فلسطين وإسرائيل.

جُوبهت هذه المشاريع النبيلة والعاقلة، بجبهتي رفض:

الأولى عربية بقيادة أناس مثل صدّام حسين والقذافي وحافظ الأسد، وفلسطينيين مثل أحمد جبريل وجملة من «الأبوات»، ناهيك طبعاً عن «حماس» و«الجهاد»، وكل أصوليّي السياسة.

الثانية عتاة الغلّو العقائدي السياسي الإسرائيلي، بل إن أحد شبابهم اغتال رئيس الوزراء إسحاق رابين بسبب ذلك، واليوم يمثّل نتنياهو وبن غفير وأمثالهما، حائط صدّ يمنع تحقيق السلام وإنهاء الصراع، بسبب خرافاتهم العقائدية، ورعونتهم السياسية، وغرور القوة.

إذن، حتى يقوم شرق أوسط جديد، ونقي من جماعات التخريب والغلو، فليست المسؤولية فقط على مَن ذكرهم الكاتب الإسرائيلي في مقاله، بل على إسرائيل أيضاً.

رقصة التانغو كما يقولون تحتاج لطرفين.


مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».

قراءة المزيد

ذاكرة الرجل الصامت

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

يشبه برنامج «الذاكرة السياسية» الذي يقدمه الزميل «طاهر بركة» في «العربية» منذ سنوات، أرشيف دولة من المذكرات الرسمية. ورغم الشخصانية التي تحكم عادة هذا النوع من الاستعادات، يعيش البرنامج وصاحبه انطباعاً عميقاً بالثقة والحيادية والمهنية، في تدوين التاريخ الراهن، الذي لا يزال أشخاصه وشهوده على قيد الحياة.

شمل البرنامج أحداثاً وبلداناً ورجالاً كثيرين في خريطة العالم العربي. وقلما سمعنا ملاحظة، أو نقداً، لهذا العمل الفائق المهنية.

تابعت بقدر الإمكان منظم حلقات «الذاكرة» ما بين مشاعر الفضول والمعرفة والمقارنة. واعترتني دهشة عارمة أخيراً، وأنا أصغي إلى الحلقات التي أجريت مع الدكتور محمد السماك، وهو زميل وصديق ورفيق منذ أكثر من 50 عاماً.

المعروف عن الرجل الذي يشغل منصب مستشار مفتي الجمهورية أنه قليل الكلام، وإذا تكلم، فقليل القول، أو الإفصاح. لكن ها هو يتحدث، ويقول ويفصح، ويكشف عن أخطر مراحل العلاقة السورية، التي كانت تتلقى التهديدات مباشرة، ومنها المفتي الراحل حسن خالد، الذي حاول تجنب المصير والابتعاد مؤقتاً. وتحدث عن كيف اغتيل الرئيس رينيه معوض يوم ذكرى الاستقلال، وعن اغتيال رياض طه وسليم اللوزي. وروى خصوصاً المهام والأدوار التي قام بها شخصياً، سواء موفداً للمفتي، أو لعبد الحليم خدام، أو للرئيس رفيق الحريري.

ويروي عن بعض الشخصيات اللبنانية أن رفيق الحريري، بكى واعتكف بعد الإهانات التي وجهها إليه بشار الأسد، غاضباً من اعتراضه على التمديد لإميل لحود.

وقال إن كل شيء في منزله كان مراقباً حتى الممرات القصيرة بين الدار وغرفة النوم. وروى أن بعض الأشياء كانت قابلة للمراجعة، إلاّ كلام الرئيس حافظ الأسد، ومع ذلك فإن الرئيس الأب كان أكثر ليونة من ولده. وحكى أنه خلال زيارة إلى دمشق، مُنع مرافقو الحريري من النزول من سياراتهم طوال الطريق. حتى اضطر أحدهم للتبول في ثيابه. وتحدث عن أربعة وزراء كانوا «ودائع سورية» في الحكومة، وقال إن الرئيس رشيد كرامي اعترض على تعيين سفير لبناني لدى الأمم المتحدة، لكن الرئيس الأسد لم يصغِ إلى الاعتراض.


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

إسرائيل… لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

انتصارُ إسرائيلَ الساحقُ في حربِها على «حزب الله» في لبنانَ، العامَ الماضي، يُعَدُّ من أمجادها العسكريةِ التي تُضَمُّ إلى انتصار حربِ الأيام الستة في 1967. أمَّا عملياتها ضد الحوثي في اليمن، حتى الآن، فهي استعراضيةٌ وغير فعالة، تشبه حربَها في لبنان عام 2006. مع أنَّ هذه الجماعةَ المسلحة بدون قدراتٍ دفاعية جوية ولا ترسانة صواريخية للرد بالمثل.

أهداف إسرائيلَ الحالية في اليمن تشبه هجماتِها في لبنان فيما عُرف بحرب تموز، معظمُها دمَّرت مرافقَ مدنية أو شبه مدنية. وقد يكون السَّبب أنَّها لا تملك بنكَ أهدافٍ في اليمن، ولهذا لجأت لقصفِ المواني والمطارِ والطرقات لوقف عملياتِ استقبال الأسلحة ونقلها.

الفارق في حرب الجبهتين كبير. على جبهة «حزب الله» أظهرت إسرائيلُ في العام الماضي تفوقاً حاسماً ومرعباً، كما لو كانت عملياتُها من أفلامِ الخيال العلمي. قضت على معظمِ صفِّ القيادات العليا، سواء الذين كانوا في بيوتِهم أو سياراتهم أو مختبئين تحت الأرض في أدوارٍ عشر، ودَمَّرت أو عَطَّلت معظمَ ترسانة الحزب الهجومية.

وعندما نرى ما حدث في عام 2006 طوالَ حرب الـ34 يوماً، لم يدمر «حزب الله» بل شلّت إسرائيلُ حركةَ الدولة اللبنانية. قَصفت المطارَ، والميناءَ، ومحطاتِ كهرباء ومياه، والطرقَ السريعة، ونحوَ مائة جسرٍ ومعبرِ وأحياء سكنية واسعة. ولم تمضِ سنتان حتى كانَ «حزب الله» قد عادَ بكامل قدراته.

أمَّا في معاركِ لبنانَ في العام الماضي، التي دامت 13 شهراً وكانتِ الحياةُ المدنية في معظم لبنان شبهَ عادية، ولم تتعرَّض البنية التحتية للهجوم. كانتِ الطائراتُ المدنيةُ تقلع وتهبط من مطار رفيق الحريري أثناءَ قصف إسرائيلَ مواقع «حزب الله» في الضاحية الجنوبية، وكانت نيرانُها على مرأى من ركابِ الطائرات في سماءِ المطار المجاور الذي لم يُوقف حركتَه.

وكانَ المصورون الصحافيون يترقَّبون إعلانات القصف ومواقعَها ويجلسون قبالةَ المباني المستهدفة في انتظار الهجوم لتصويرها عن قرب.

منذ يناير هاجمتْ إسرائيلُ اليمنَ ستَ مرات، ولم تكن بالفاعلية نفسها كما في لبنان. القليلُ منها استهدف قوات الحوثي وقياداته؟ إسرائيل في الشهر الماضي قصفت مطارَ صنعاء ودمَّرت آخر طائرةٍ مدنية فيه، وهي من ممتلكات الحكومةِ الشرعية وليست للحوثي. هذه الميليشيا اليمنية تشبه «داعش» و«القاعدة» ولا تبالي كثيراً بخسائرِ المدنيين أو تدمير البنية التحتية.

لم تُثنِ الهجماتُ الإسرائيلية الجماعةَ الموالية لإيران عن إطلاق مسيّراتها وصواريخها، وهي ترسانة صغيرة مقارنة بـ«حزب الله» الذي تعرَّض لتدمير واسع لقدراته الهجومية. مقذوفات الحوثي محدودة لا تهدّد كثيراً إسرائيل. ومعظمها لم تصل أهدافَها، وما نجح منها في دخول سماء إسرائيل شلَّ حركتَها الجوية وأرسلَ سكانها للملاجئ لفترة وجيزة.

هذه الجماعة اليمنية المؤدلجة كونها من أقلية صغيرة، لا تتجاوز نسبتُهم السبعةَ في المائة فقط من السكان، تعتمد على إرهاب السكان بميليشياتها للحفاظ على وجودها في المدن التي تسيطر عليها. في حين تقبض على بقية المناطق مستخدمةً شبكة من القوى القبلية المتحالفة معها. وهذه القوى ستتخلَّى عن الحوثي عندما تشعر أنَّه يفقد قدراته العسكرية.

أمَّا لماذا أداء إسرائيل بهذا التواضع، فأعتقد أنَّ وراء ذلك أحد سببين؛ الأول، شحُّ المعلومات عن اليمن حيث لا تتمتَّع فيه كما في لبنان، بشبكة واسعة من المخبرين والعملاء، بما في ذلك في قلب «حزب الله» نفسه، التي مكَّنتها من جمع التفاصيل وبناء بنكِ أهداف على مدى سنوات استعداداً لليوم الموعود.

الاحتمال الآخر، أنَّ الحكومة الإسرائيلية نفسها غير راغبة في توسيع دائرة مواجهاتها، وتكتفي بعمليات عقابية توازي حجم الضرر المحدود الذي ألحقه الحوثيون بإسرائيل. وهي تنتظر اتفاقاً معهم يتعهّدون فيه بالكفّ عن إزعاجها كما اتفقوا مع الولايات المتحدة قبيل زيارة الرئيس دونالد ترمب المنطقة.

مع هذا، في تصوري الحوثي كالفراشة الليلية التي تلقي بنفسها في النار. تبدو متقدمةً لأنَّها تطلق «درونزات» وصواريخَ، لكن في الحقيقة لا تعدو كونَها من مقاتلي كهوفِ القرون الوسطى أو من الأكباش الجبلية.


عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.

قراءة المزيد

إيران ليست كوريا الشمالية

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

صفيح المنطقة الساخن بات رهناً باللاعبين الكبار فيه، فهو يزداد سخونةً في منطقة أو قضية أو ملف، ولكنه يبرد في غيرها، وهنا تفترق السياسات والاستراتيجيات والرؤى، ويزداد تدافع الخصوم والمتنافسين، انكساراً وطموحاً، ما يجعل العاقل حذراً في مثل هذه اللحظات من تاريخ البشرية في منطقتنا.

قبل سنواتٍ ست، وفي 2019، كتب كاتب هذه السطور في هذه الصحيفة وهذه المساحة مقالة أشرت فيها إلى أنَّ إيران بحاجة للاهتمام بالدولة الوطنية والشعب ومصالحه، بعيداً عن أي مغامراتٍ غير محسوبة العواقب في رغبات التوسع وبسط النفوذ.

قبل هذا بكثير، كتب كاتب هذه السطور في أبريل (نيسان) 2007 مقالة بعنوان مشابهٍ لمقالة اليوم، وهو «إيران ليست كوريا يا سادة»، ولئن كان التاريخ لا يُعيد نفسه فإن البعض ما زال يطرح هذه المقارنة الخاطئة بين كوريا الشمالية وإيران، والعقلانية والواقعية السياسية تفرضان على الكاتب والباحث المختص أن يضيء الفروقات الواضحة بين النموذجين، حتى يكون المشهد الحالي جلياً للمتابع.

كوريا الشمالية لا تمتلك إرثاً حضارياً وإمبراطورياً كما هو الشأن في الحضارة الفارسية وإمبراطوريتها التي لطالما أغرت صانع القرار هناك باستعادة شيء من المجد التليد، ولئن كانت كوريا الشمالية بلداً فقيراً، باقتصادٍ استنزفته الرغبة في حماية السلاح النووي، وجعلت شعبه فقيراً يعاني كثيراً مقارنةً بتوأمه في كوريا الجنوبية، الذي يعيش في دولةٍ متقدمةٍ عالمياً وغنيةٍ اقتصادياً، أما إيران فهي بلدٌ غنيٌّ باحتياطيات كبيرة من النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى.

ثم إن كوريا لديها كوريا أخرى مجاورة لها تستطيع الاعتماد عليها في بناء تنمية مشتركةٍ فيما لو اختارت طريقاً سياسياً مختلفاً، بينما إيران لم تترك دولةً مجاورة لها إلا ناصبتها الخصومة لأسبابٍ متعددة، ومن الاختلافات المهمة أيضاً أن «الجيل الثالث» في كوريا هو الذي استطاع التوصل لحلولٍ عمليةٍ خففت عنه بعض الأعباء، بعدما تعلمت الأجيال المتتالية من دروس التاريخ، والأمر ليس كذلك في إيران؛ حيث ما زال الجيل الأول للثورة الإسلامية هو الذي يقود البلاد، ويمسك بزمام الحكم فيها، وهو الجيل الذي أسقط «الشاه» و«اقتحم السفارة الأميركية»؛ جيل الثورة والأحلام الوردية والآيديولوجيا الثورية، وانتصاره الذي أصبح قديماً في ثورته قد يعشي البصر والبصيرة عن التفكير المنطقي، وحسابات الأرباح والخسائر.

مَن يقرأ تاريخ «الثورات» في التاريخ البشري المعاصر بعدما تبلور مفهومها الحديث، يكتشف بسهولة أنها كانت على الدوام تورث المجتمعات عقبات كَأْداء، وأدواءً متطاولة وعنفاً دموياً شرساً، ويمكن استحضار أهم ثلاث ثورات في العصور الحديثة في «فرنسا» و«روسيا» و«أميركا»، ومن يريد التعمق أكثر فليقرأ كتاب «تشريح الثورة» للمؤرخ الأميركي كرين برينتن ليجد التفاصيل المذهلة من التشابهات التي لا يمكن أن تكون صدفاً.

والسؤال المهم في هذا السياق، هو: هل استطاعت الدولة الإيرانية تجاوز «الثورة» إلى «الدولة»؟ والجواب هو نعم في كثير من المجالات، ولا في بعض المجالات، وبالتالي فسياساتها بدأت التغير، خاصةً بعد ضرب محور المقاومة في لبنان وسوريا واليمن وغزة، إسرائيلياً وأميركياً، وبعدما قرعت «أميركا ترمب» طبول الحرب بشكل قويٍّ أجبر على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشكل لم يكن في مفاوضات «أوباما» الفاشلة قبل عقدٍ من الزمان.

المنطقة بالفعل ما زالت على صفيحٍ ساخن، في غزة ولبنان وسوريا واليمن، وفي العراق أيضاً، أما إيران فهي أمام لحظة حاسمة من تاريخها المعاصر، وهي بحاجة لاعتصار كل حكمة التاريخ وإرث العقل، حتى تستطيع إنقاذ نفسها وإنقاذ المنطقة من تحدٍّ تاريخي غير مسبوق، ولا يتمنى أحدٌ في المنطقة أن يصل هذا التحدي الخطير إلى أمدٍ لا يمكن بعده معرفة المصير.

أخيراً، فعقلانياً، ليس ثمة الكثير مما يمكن عمله، وواقعياً يمكن التغطية على بعض التنازلات السياسية الضرورية بشيء من الشعارات الآيديولوجية التي ترضي الأتباع وتدفع الخطر.


عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.

قراءة المزيد

«حزب الله»: أسباب الهذيان ووظائفه

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

يتّفق أطبّاء ومحلّلون على أنّ الهذيان تغيّر مفاجئ يطرأ على الدماغ فيسبّب اختلالاً في الشعور واختلاطاً في الذهن. وهو كثيراً ما يحصل إثر تحوّلات يتعرّض لها الجسد، قد تكون عمليّاتٍ جراحيّة أو تعافياً من الكحوليّة بعد إدمان مديد. لكنّ أحد الاحتمالات الحادّة الذي ينجم عن الهذيان فقدانُ التركيز والانتباه، وأحياناً نسيان المُصاب مَن يكون هو نفسه، وفي أيّ مكان يكون، وما الذي يفعله حيث يكون. وهذا ما يسبّب ترنّحاً في حركة الجسد التي قد تتراوح بين بطء يتاخم الشلل وتسارُع يشبه الهرولة.

وفي ما يصدر اليوم عن «حزب الله»، بعد التحوّل الضخم الذي عرّضته له «حرب الإسناد» وتوابعها، ثمّة قدْر صارخ من الهذيان. ولربّما جاز القول إنّ العمليّة الجراحيّة والتعافي من الإدمان يصلحان استعارةً، ولو بقدر من التصرّف. ذاك أنّه يُفترض بالحرب، وهي العمليّة الجراحيّة، أن تكون قد جفّفت خمرة الانتصار وعجرفة التسلّط وطرحت على الحزب سؤال التكيّف مع الواقع.

لكنّ من يسمع الشيخ نعيم قاسم، أمينه العامّ، وبعض قياديّيه والناطقين بلسانه، وهم يعطون فرصاً ومِهلاً للدبلوماسيّة وللحكومة، ويهدّدون بأنّ مِهلهم قد لا تُمدّد، ويؤكّدون على سريان مبدأ «الجيش والشعب والمقاومة»، وينفون حصول الهزيمة، ويلحّون على عدم تسليم السلاح، يقطع بأنّ فشلاً ذريعاً يُلمّ بالتكيّف ويثبّت الهذيان ويرسّخه.

غير أنّ الدقّة تستدعي القول إنّ تلك النتيجة لا تُعدم مبرّراتها. فالتكيّف يغدو صعباً جدّاً بعد أن عُوملَ الإدمان، على مدى أربعة عقود، بوصفه حالة طبيعيّة مثلى، وبعدما انعقد ما يشبه الإجماع حول وصف كهذا. ذاك أنّ السكرة التي امتدّت من أوائل الثمانينات حتّى أشهر قليلة خلت إنّما قُدّمت بوصفها هي الصحوُ بعينه، فيما كان الذين لا يُقرّون بذلك يُطالَبون بمعالجة نفوسهم المريضة أو المتآمرة.

هكذا رُسم ازدواج السلاح المديد، وتحكّم طرف غير شرعيّ بقرار الحرب والسلم، بوصفهما عين الصواب وكبد الحقيقة. وأتيحَ لهذا الغلط العظيم أن يملك اليد العليا في اختيار الرؤساء والوزراء، وفي وضع السياسات والخطط. أمّا أن يكون الحزب، وهو لا يحظى أصلاً بترخيص رسميّ، مُجتمَعاً موازياً يقف خارج الدولة الوطنيّة وفوقها، ويخوّن الكبير والصغير على هواه، فهذا أيضاً بدا حقّاً له لا يُمارى فيه. ولسنوات طويلة أتيح لـ»حزب الله» أن يُبلغنا أنّنا مُهدّدون، على رغم ما تقوله لنا أحاسيسنا وتجاربنا، ويُحذّرنا من أنّ علينا أن نقاوم، ضدّاً على ما تراه رغباتنا وأفكارنا وقدراتنا. وفي هذه الغضون تُرك لأذنابه أن تقرّر، نيابة عنّا، أيّ الأفلام ينبغي أن لا تُشاهَد وأيّ الكتب ينبغي أن لا تُترجم أو تُقرأ...

هكذا أمسى الانتقال صعباً من الطور الذي كان فيه الإدمان حاكماً، فسادَ تغنيج الهذيان وصار الآخرون مضطرّين إلى التكيّف معه، إلى طور بات معه الهذيان محكوماً، يُسمّى بأسمائه الفعليّة الخطيرة التي يحذّر منها الآخرون، فيما يغدو أصحابُه هم الطرفَ المُطالَب بالتكيّف.

فنحن، بلغة أخرى، ننتقل من زمن كان فيه الواقع هو المُطالَب بالتعايش مع الإدمان، إلى زمن يغدو معه المدمن مدعوّاً إلى التعايش مع الواقع. وأمر كهذا، دون أدنى شكّ، شديد الصعوبة.

لكنّ الهذيان، مع هذا، يبقى وظيفيّاً، يستدعيه الاستخدام الإيرانيّ ما دام التفاوض جارياً بين طهران وواشنطن. فمطلوبٌ، والحال هذه، إبقاء سلاح الحزب في اليد لا يُسلّم إلى الدولة، تماماً كما هو مطلوب بقاء المفرقعات الحوثيّة في اليمن ورقةً للمقايضة.

بيد أنّ كلّ شيء صار أصغر من ذي قبل: يصحّ هذا في القضايا المدّعاة كما يصحّ في الأدوات والقدرات. وهو مسار يدلّ إلى التآكل والانكماش بسبب الحرب، وفي موازاة التحوّل الإيرانيّ من قوّة مخيفة تملك أوراقاً جدّيّة إلى قوّة خائفة ذات أوراق متهالكة ومتداعية. وربّما جاز قياس الفارق بين المرحلتين على النحو التالي: في المرحلة الأوّلى كان يُقتل رئيس الحكومة المخالف لرغبات الحزب ورُعاته، على نحو مشهديّ مُضخّم فيما يُحال دون التحقيق في الجريمة، وفي الطور الثاني يُشتم، بحقد وبذاءة، رئيس الحكومة المخالف لتلك الرغبات بوصفه «صهيونيّاً».

وهذا ليس للتهوين من خطورة ما يجري اليوم، خصوصاً وقد دلّت الانتخابات البلديّة الأخيرة على أنّ في وسع وعي هذيانيّ، ولو مهزوم، أن يحافظ على مبايعة شعبيّة عريضة، لأسباب لا تتّسع لها هذه العجالة. وهذا علماً بأنّ كلفة الاستمرار في تقديم البيعة باهظة جدّاً على أمن اللبنانيّين واقتصادهم وإعادة إعمارهم وشروط إقلاعهم الوطنيّ. وقد يكون المبايعون أنفسهم الأكثر تضرّراً بين سائر المتضرّرين.

وهذا ما لا يمكن أن يستمرّ وما لا يجوز. فإذا كان اللبنانيّون جميعاً مدعوّين إلى بذل جهد أكبر، مصحوب باستفزازيّة أقلّ، لدمج ثلث السكّان في مشروع وطنيّ، فإنّ أصحاب المصلحة المباشرة أوّلُ المُطالَبين بالانفكاك عن مشروع هذيانيّ مهزوم لا يمكن أن يقود إلى مكان آمن.


حازم صاغية
مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي.

قراءة المزيد

مرضى وخيالات المكان

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

هل سمعت يوماً عن حالة رجل أو امرأة قاما بعمل هستيري عنيف ضد نفسيهما وضد الآخرين، في مكان أو مزار أو محجٍّ له صفة دينية أو ثقافية أو تاريخية خاصّة؟

هل حاولت فهم هذا السلوك؟

تابعنا مِراراً عن قصة شخصٍ يصرخ معلناً أنه المهدي المنتظر أو المسيح المخلص، في باحات الحرم المكّي، أو ساحات القدس، أو يعلن آخر أنه صاحب الزمان أو المبشّر بصاحب الزمان، في العتبات الشيعية بالنجف أو كربلاء.

هناك متلازمة نفسية تمّ رصدها في مدينة القدس، اسمها «متلازمة القدس» تعتري أشخاصاً ليس لهم تاريخ مرَضي نفسي، لكنهم فجأة يُصابون بالهوس والتصرفات الهستيرية، عند زيارة الأماكن التي تحظى بقدسية خاصّة في هذه المدينة، عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، على حدٍّ سواء.

الكاتب السعودي فهد عامر الأحمدي كتب قبل سنوات مقالة بعنوان «متلازمة القنبلة المقدسة»، ذكر فيها ملاحظة مهمّة، قال فيها: «... بما أنني من سكان المدينة المنورة سأخبركم بسندروم جديد أطلق عليه شخصياً اسم (متلازمة القنبلة المقدسة)... فنحن نستقبل كل عام أكثر من أربعة ملايين زائر وحاج نكتشف بينهم مجانين ومتطرفين ومرضى نفسيين يأتون للحرم مدفوعين بأفكار دينية غريبة، وآخر زائر رأيته من هذه النوعية تم إخراجه بالقوة من داخل الحرم النبوي -لا أعلم لماذا بالضبط- ولكنه كان يكفّر المصلين ويشتم المارة ويصف رجال الشرطة بالزندقة، لأنهم يلبسون (البسطار) فوق رخام الحرم».

بالمناسبة هذا الهوس لا يقتصر على الأماكن الدينية المقدسة، بل حتى بعض المزارات التاريخية العريقة، مثال ذلك ما جرى في مزار وموقع جيش الإمبراطور «تشين» لتماثيل الطين (ويُعرف كذلك باسم «جيش تيراكوتا») المَعلم السياحي التاريخي الشهير في شيآن عاصمة مقاطعة شنشي، المدرج على قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي.

فقد ألقى زائر صيني يبلغ 30 عاماً، قبل أيام، نفسه من ارتفاع أكثر من 5 أمتار على تماثيل الجيش الصيني التاريخي القديم، وأضرّ نفسه وبعض التماثيل.

السلطات المحلية أفادت في بيان بأن الرجل «تسلق السياج وشبكة الحماية وقفز»، لافتة إلى أنه جرى تشخيص حالته على أنه «مريض نفسي». وقالت إن القضية قيد التحقيق حالياً.

تظلّ هذه النوعية من البشر قِلّة، لكن الانتباه لها واجب، والمضحك المبكي أن ما يراه العقلاء أحياناً ضرباً من الجنون وضعف العقل، حقّه العلاج أو السيطرة عليه، يصير من بعض الأتباع موضوعاً جِدّياً له أنصاره، هنا يصير ليس الانتباه هو الواجب، بل الحزم وقلع البذرة قبل أن تستوي شجرة كبيرة ذات أغصان.


مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».

قراءة المزيد

ضد التلوث

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

ليس أقسى من الشعور بالذنب سوى الشعور بالندم. وقد تجمع لي القليل من الأول، والكثير الوفير من هذا الأخير. 31 مايو (أيار) كان اليوم العالمي لمحاربة التدخين، ويقتضي الواجب والضمير أن أدلي بشهادتي، أو إفادتي في هذه الحملة العالمية.

توقفت عن التدخين بعد 50 عاماً تقريباً. وكانت السيجارة في أيامنا علامة الرجولة والأناقة. وكان «أبطال» الأفلام يظهرون في الملصقات الترويجية وهم يدخنون، أو ينفخون، أو يعرضون الغليون، ومرة أخرى، عذراً على السجع.

كل ما حولنا كان سيجارة: الشاعر علامته السيجارة المتدلية أبداً من شفتيه الغليظتين. والفنان كانت سيجارته تتدلى من طرف فمه وعمق رئتيه. والمكان كان مليئاً بالدخان، والسعال، وغلاظة الدم.

ثم ظهرت الحقائق:

السيجارة مرض وآفة وقاتل ورائحة كريهة. وبدأت الحملة عليها وعلى مدخنيها تنبه الضحايا. وكان التدخين مسموحاً في قاعة جانبية مغلقة، فأصبح ممنوعاً حتى في سباق الخيل، أو سباق السيارات، أو سباق الدراجات.

في أي مكان في العالم، المدخن منبوذ، ومزعج. وإذا ذهبت إلى الطبيب لألم في ساعدك الأيسر، يسألك: هل دخنت في زمانك، أو هل مررت بجانب مقهى يؤمه مدخنون؟ أو هل صافحت مؤخراً رجلاً تراوده أحلام فيها سيجارة، أو سيجار، أو سيجارلو؟

أصبحت السيجارة في أنحاء العالم من المكاره، وأصبحت تتمنى لمن تحب، الشفاء من إدمان الضرر. كم كنت سعيداً ومطمئناً وممتناً عندما كبر ابني في عالم يعي النزعة الانتحارية في التدخين. تولت المدرسة، ثم الجامعة، بالعلم، إقناعه بما كان جدي يقوله بالبساطة: السيجارة تحرق صحتك وفلوسك.

أصبحت السيجارة في عالمنا شيئاً مرذولاً في توافق شامل. أغنياء وفقراء. انتهت الأساطير حول إلهامها الشعراء والكتّاب، وأصبحت عيباً صحياً واجتماعياً، ومظهراً من مظاهر التخلف.


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

إمام مسجد وأستاذة جامعية

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

قبل سنوات، وفي رحلة صحافية إلى السويد، التقيت مع مجموعة من الزملاء، إمامَ مسجد، وأثنى على المعاملة الحسنة التي يتلقاها من المجتمع السويدي المتسامح ومؤسسات الدولة الداعمة. بدا الرجل سعيداً ومرتاحاً في البلد الذي أخذ جنسيته. قبل نهاية اللقاء قام بسكب قطرة السّم في كأس الماء عندما قال: «لكن ومع هذا، الصراع مستمر معهم حتى يوم القيامة!».

في الواقع لم أستغرب من حديثه. الحياة في بلد حديث وتلقي معاملة حسنة وطيبة، لن يلغيا الثقافة المتطرفة التي تسكن عقله منذ طفولته. ومع هذا لن يثير الأمر القلق لو كانت القضية متعلقة بفرد لديه قناعاته الخاصة. الإشكالية أن هذه الشخصيات المتطرفة هي التي تسيطر على أغلب المراكز الدينية في أوروبا، وتنشر الفكر الإخواني المتطرف على نطاق واسع بين الأجيال الجديدة التي تعيش في أوروبا وأميركا، ولكنها ثقافياً ودينياً تعيش في عقلية القرون الوسطى. ولهذا نرى صعوبة كبيرة في الاندماج في المجتمعات الحديثة؛ لأنَّ هؤلاء المتطرفين أقاموا أسواراً نفسية وفكرية، وضربوا عزلة شعورية على عقول المجتمعات المسلمة. التقرير الفرنسي الأخير عن جماعة الإخوان المسلمين يكشف جانباً من هذه الحقيقة عن هذا التنظيم المتغلغل في أوروبا والغرب عموماً، ويحقن المجتمعات هناك بمعتقدات تصادم العصر.

ومن المفارقات أن الشخصيات المتطرفة أصبحت تجد ملاذاً لها في لندن وباريس وواشنطن لتقوم بالتحريض على الدول الخليجية التي حاربت المتطرفين ومنعت ظهورهم والتحريض على العنف، وعدّلت مناهجها الدينية، وأسست لخطاب إنساني متسامح يعكس حقيقة وجوهر الدين الإسلامي المنسجم مع العصر الحديث. لقد تحول الخليج إلى قبلة للتسامح الديني والانفتاح الثقافي، ويرحب بكل الجنسيات والأديان التي تمثل رافداً مهماً لمجتمعه واقتصاده وخططه التنموية الطموحة. ومع هذا تحولت أوروبا إلى منصة لقيادات الإسلام السياسي للهجوم عليه. قبل سنوات انتشرت نظرية «الإسلام الأوروبي»، وهو نسخة من الإسلام تشجع على الفلسفة والعلوم، ومتناغمة مع التحديث. فكرة رائعة كان يمكن تصديرها إلى دول تعاني من هيمنة المتطرفين. ولكن هذه الفكرة تقريباً انتهت، وما تصدره أوروبا الآن لنا هو «الإسلام الإخواني»!

هناك حليف غير متوقع للإخوانيين، ولكن هذه المرة في الجامعات والأكاديميات الغربية. في حديث مع أستاذة جامعية دار نقاش بيننا. فقط لاحظت أن خطابها شديد العداء للسياسة الخارجية الأميركية، وصوّرتها على أنها قوة إمبريالية غاشمة. ولا بد أن الطلاب الذين يحضرون محاضراتها سيخرجون بقناعة أن أميركا والغرب بشكل عام عدو للمسلمين. وجدتها رؤية منحازة، وقلت لها إن الولايات المتحدة أيضاً ساعدت المسلمين في الكويت وكوسوفو وأفغانستان، وواجهت أشرس التنظيمات الإرهابية التي فتكت بالمسلمين قبل غيرهم. بالطبع لأميركا أخطاؤها الكبيرة، ولكنها ليست عدوة للمسلمين، وأنا مسلم. نظرت إليَّ باستغراب ومضت في طريقها!

بالطبع ليس كل الأكاديميين يقولون هذا، ولكنها رواية قوية وسائدة في الأكاديميات، ويوجد تحالف بين الإسلاميين واليساريين في تعزيز هذه القناعة الخاطئة. يستمد المتطرفون من هذا المخزون العدائي الذي يصوّر أن هناك حرباً صليبية على العرب والمسلمين تستهدف ثقافتهم وقيمهم ودينهم. وحتى أسامة بن لادن كان يقتبس من مقولات أكاديميين في الجامعات الغربية ليعزز وجهة نظره. ونعرف أن منظّري الإسلام السياسي يهاجمون الحكومات العربية، ويسعون لتقويض شرعيتها بسبب علاقتها مع الدول الغربية «الصليبية» المتآمرة على الإسلام!

مقولة الإمام «الصراع ممتد حتى يوم القيامة»، وحديث الأستاذة الجامعية عن «أميركا الإمبريالية عدوة المسلمين»، يلتقيان ليشكلا بقصد أو من دون قصد مخزوناً مسموماً من المعتقدات التي تُزرع في عقول الملايين من المسلمين منذ الصغر، ويصعب التخلص منها بسهولة. من هنا، تأتي أصعب مهمة، وهي كيف نمنعها من التسرب منذ البداية إلى العقول. ولكن هذه فكرة مقال آخر.


ممدوح المهيني
إعلامي وكاتب سعودي. مدير قناتي «العربية» و«الحدث» كتب في العديد من الصحف السعودية المحلية منها جريدة الرياض، ومجلة «المجلة» الصادرة في لندن. كما عمل مراسلاً لـ«الشرق الأوسط» في واشنطن. وهو خريج جامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة.

قراءة المزيد

ويتكوف… لماذا الموافقة على ما رُفض من قبل؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

حين انطلقت عمليات القسّام، الجناح العسكري لـ«حماس»، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كان عنوانها «طوفان الأقصى» وهدفها «الأكبر»، كما أعلن محمد الضيف في الساعة الثامنة من ذاك اليوم، هو «كنس الاحتلال الإسرائيلي» من الأرض، وبداية الزحف الكبير.

عام ونصف من أهوال الحرب الإسرائيلية، التي تشمئز منها النفوس، وترفضها العقول السليمة، عام ونصف من قبائح نتنياهو ورجاله، الذي لم يحصر حربه، كما الرجال، في خصومه من «حماس» وأحلاف «حماس»، بل سلّط وحوش حربه على «كل» غزّة، بشراً وحجراً، حتى من هم ضد «حماس»، وربما هم أكثرية أهل «حماس»، أو نصفهم على الأقل!

اليوم... ماذا؟

لا حديث إلا عن اتفاق يُطبخ بين إدارة ترمب بمشاركة مصر وقطر، مع طرفي الحكاية القبيحة، إسرائيل و«حماس»، لوقف الحرب المجنونة هذه.

ليست هي المحاولة الأولى، لكن يبدو أنها الأكثر جدّية.

مبعوث ترمب الخاص ستيف ويتكوف يتولّى إعداد هذا الاتفاق، ومع إفادات من حركة «حماس» بالاقتراب من تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، نقلت وسائل إعلام عبرية تسريبات عن مقترح لويتكوف يعتزم تقديمه مجدداً... ما أثار التساؤلات عن الفرق بين ما تحدّثت عنه «حماس» وما يطرحه الرجل.

وفق ما قالت مصادر فلسطينية مطلعة على تفاصيل المناقشات لـ«الشرق الأوسط»، فإنه لا فرق كبير بين الورقة السابقة وورقة ويتكوف، و«حماس» توافق الآن!

كانت الورقة السابقة تُشير إلى أنَّ الهدنة ستمتد من 45 إلى 60 يوماً، في حين طالبت «حماس» - في إطار الاتصالات - إلى أن تصل إلى 90 يوماً، وهو ما لم يتم في تفاهم «ويتكوف» الجديد.

حاولت «حماس» الضغط لتغيير «مفاتيح» إطلاق سراح المختطفين - أي عدد من يُطلق سراحه أو رفاته من إسرائيل، مقابل العدد الذي تطلقه «حماس» - وظلّت هذه نقطة خلافية، لكن جرى التوصل مجدداً للاتفاق وفق المفاتيح السابقة، لمنع وضعها عقبة. في الخلاصة:

تقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن رأيها عن الاتفاق «أنه لا يلبّي الكثير من رغبات وشروط الحركة». ورغم ذلك فإن قيادة «حماس» ستدرس المقترح المقدم لها قبل أن ترد عليه بشكل كامل.

هذا خبرٌ طيّبٌ في غمرة الأخبار القبيحة من غزة وإسرائيل، ولعلّه يكون مُقدّمة لخير أكبر وأدوم، والتجافي عن عالم يديره مجانين أمثال نتنياهو وبن غفير والسنوار، الثاني، والبقية.

كيف تصاغر الهدف الكبير في بداية الحرب، من «كنس الاحتلال» من طرف «حماس»، أو تهجير سكان غزة وتصفية قضية فلسطين، من طرف النتنياهوية، إلى التفاوض على إطلاق مساجين وجثث أموات ونقاط تفتيش ومعابر غذاء؟!

هل كان هذا الهدف النهائي «الصغير» يستحق كل هذه الدماء والدموع والجروح الغائرة في القلب قبل الجسد؟!

«يا رحلة في مدى النسيان موجعة

ما كان أغنى الهوى عنها وأغنانا».


مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».

قراءة المزيد

القوة الناعمة أو الخشنة وأين المصلحة؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

قبل وفاته بثلاثة أسابيع تحدث جوزيف ناي مفكر «القوة الناعمة» عن خيبته الكبرى من سياسات الرئيس ترمب. ومن وجهة نظره، فإنّ أميركا فقدت جاذبيات القوة الناعمة عندما أرادت التسيُّد على العالم بالقوة العسكرية وبالإرغام الاقتصادي. لقد ضعُفت أميركا كثيراً بحيث تضطر إلى التهديد بالحرب على طول الخط. وفي مقابل ذلك، سياسات البلطجة للحماية في مقابل المال أو الاتفاقيات طويلة المدى. بيد أنّ أكثر ما أثّر في ناي إلى جانب تسريح عشرات الألوف من الموظفين من الحكومة ووكالاتها هذه الملاحقات (مثل محاكم التفتيش) للجامعات العريقة والمتفوقة التي شاركت في بناء سمعة الولايات المتحدة الأكاديمية والبحثية بعد الحرب العالمية الثانية.

قبل الحديث عن مدى حقيقة اتهامات ناي، يكون من الملائم طرح سؤال القوة والضعف. وقد ثبت أن الولايات المتحدة قوية وقوية جداً. ومع أنه لا يحب الحروب كما يقول؛ فإنّ الرئيس ترمب يذكر في كل حين أن أميركا تملك أقوى جيشٍ في العالم، وأنه سيزيده قوة، ويزيد بذلك أميركا حمايةً ومناعة. وهو يهدف من ذلك إلى إرعاب العالم لمنع الحروب وليس لإشعالها كما يقول. وبالفعل، فإنّ القوة الأميركية أثبتت وجودها بدليل تجنب الجميع مواجهتها والاستماتة في الدخول بمفاوضاتٍ معها. تبدو روسيا العظمى منضوية ومستميتة في مفاوضة ترمب. لكأنما ما شنّ بوتين حربه إلّا ليتحدث إليه الرئيس الأميركي! أما الصين، فتبذل كلَّ جهد حتى لا تدخل في تصادم مع أميركا للمصلحة الاقتصادية الراجحة. لكن حتى في بحر الصين ومشكلة تايوان لا يزال التفاوض ممكناً رغم التهديد والوعيد المتبادل بين الطرفين. من يتحدى «أميركا ترمب» إذن؟ لا أحد يستطيع أو يفكّر. وهكذا، فأميركا لم تضعف، بل زادت قوةً وثقة بدليل أنها تفرض السلام من دون حروب. وبالطبع السلام لا يُرضي كل الأطراف، لكنه خيرٌ من الحرب بما لا يُقاس!

في الوقت الذي يتجه فيه الرجل لفرض سلامٍ عالمي لا يزال الاقتصاد الأميركي على رأس اقتصادات العالم، الجميع يشكون من «الهيمنة»، لكن الجميع وعلى رأسهم الصين لا يستطيعون الاستغناء عن أميركا ليس بصفتها سوقاً اقتصادية هائلة فقط؛ بل لأن أميركا صنعت للعالم نظام حياةٍ تزداد سيطرته كل يوم. القوة العسكرية والقوة الاقتصادية لا تزالان تؤمّنان لأميركا تفوقاً لا يسعُ عاقلاً التنكر له أو إنكاره. ناي زعلان بالطبع من هذا الفرض بالذات، بينما كان الرضا العالمي السابق لا يُشعر بالفرض ولا بالإرغام رغم نقد اليساريين أنه كان دائماً كذلك!

ذكر ناي ميادين أُخرى لاختفاء الجاذبية، ومنها كما سبق القول تسريح عشرات الألوف من الموظفين. وتصغير حجم الدولة صار آيديولوجياً لدى اليمين في أوروبا وأميركا، ولا ندري كم يؤثر ذلك على الخدمات، لكننا نعلم أنّ تسريح الموظفين تم من ضمن الموظفين الفيدراليين وليس من موظفي الولايات. لكنّ الحسومات من الإنفاق تتعلق أيضاً بالتعليم والصحة والبيئة، وبعضها مما تتشارك به أميركا مع العالمَين المتحضر والنامي(!) نحن نتحدث عن التزامات أميركا تجاه النظام الدولي والقانون الدولي الإنساني ومفوضيات ووكالات الأغذية والزراعة، وقبل ذلك وبعده حلف الأطلسي الذي يكاد الرئيس ترمب يتخلى عنه علناً!

ولنصل إلى الدعم الكبير للبحث العلمي والمنَح بالجامعات العظيمة مثل هارفارد وكولومبيا وجورج تاون وأخريات. هي بالطبع جامعات خاصة، لكنها في نظام التعليم العالي المفتوح والليبرالي كانت تشكّل دعايةً كبيرةً للولايات المتحدة؛ لأنها تحظى باعترافٍ عالميٍّ كبير. وقد درّستُ في أميركا في التسعينات بجامعاتٍ مختلفةٍ زهاء عشر مرات، وشهدت كم كان الطلاب متنوعين وكيف كانوا يتربون على أنهم يتعلمون الحرية والعدالة والتنوير إلى جانب الفيزياء والطب والحقوق... ودراسات الشرق الأوسط! لكننا نسينا أنه حدث الشيء نفسه وأفظع منه بين 1968 و1975 في معظم الجامعات الأميركية الخاصة والحكومية: المظاهرات الصاخبة ضد حرب فيتنام!

هناك مشكلة مزدوجة مع الجمهوريين ومع الديمقراطيين. فالجمهوريون لا يستطيعون الزعم أنها سياسات منتظمة ولها أهداف محددة ويمكن الدفاع عنها في المؤسسات. أما الديمقراطيون فهم ساكتون ومتخاذلون كأنما لا يحبون الليبراليات التي اندفعوا فيها من وراء كامالا هاريس!

كان سؤال أميركا والعالم مطروحاً دائماً بسبب سيادتها العالمية، أما الآن فالمتغيرات الأساسية حدثت وتحدث بالداخل الأميركي!


رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية

قراءة المزيد

نوبل المتفرقات

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

كان غابرييل غارسيا ماركيز يقول: «إن الصحافة هي أفضل مهنة في العالم». وكان يفضل أن يُعرف بوصف أنه صحافي، وليس أنه حائز نوبل الآداب، أو مؤلف «مائة عام من العزلة»، أو متخيل عائلة بونديا، أو المدن المسحورة. وكلما قرأ المرء هذا الخلاب المدعو «غابو»، تأكد له أنه صحافي قضائي من الدرجة الثالثة، يجمع مادته الروائية من مخافر الشرطة، وحكايات الأزقة المعتمة. لكن ما إن يبدأ في كتابة السطر الأول، حتى يتحول إلى واحد من عمالقة السرد المغني. لا يترك أمامه شيئاً مهملاً، أو مرمياً إلا وينحني لالتقاطه، وحفظه للرواية التالية. قصاصات صحف، عناوين جرائد، دفتر رماه أحد الركاب على العبّارة النهرية.

لكن ما إن يبدأ يجمع هذه البقايا حتى يتدخل الجوهرجي الذي فيه، والنحات الذي يصوغ أشخاصه من حياة، ودراما وسلاسة، مثل مطر المساء. لا أحد يدري كيف وكم جمع ماركيز من التفاصيل مذ بدأ العمل صحافياً، وناقداً فنياً، مثل التابعي. لكن التابعي كان بورجوازياً، كسولاً يضيع الكثير من الوقت في جمال الكتابة، والحياة، ولم يلتفت إلى تحدي الرواية، وتفاصيلها، ولمحاتها. ذلك التحدي بقي صفراً تفرد نجيب محفوظ. ولعله الوحيد بين العرب، مثل ماركيز، نهجاً، وأسلوباً، واعتناء. لعله. لكن يجب ألا يغيب عنا دائماً يوسف إدريس، وعبد الحليم عبد الله، والمنسي قنديل، والحكيم. وإن كان معظمهم قد تجنب الإبحار في التفاصيل، خوف الغرق في الفن الصعب.

كُتابنا اعتبروا الصحافة مهنة دون الأدب، لذلك لم يغامروا بالقفز منها إلى الأجناس الأدبية الأخرى كما فعل الصحافيون المخلدون، مثل شارل ديكنز، ومارك توين. وقد يكون ماركيز أهم من أبدع في الرواية دون الخروج من مبتذلات الصحافة التي جعل منها تحفاً أدبية، وظل حتى أيامه الأخيرة يكتب مقالاً أسبوعياً في صحف إسبانيا، وأميركا اللاتينية. ودائماً ترى فيه، هنا وهناك، قصاصة عن خبر لا يصدق، أو جريمة بلا حل، أو هطول السمك الفضي مع الأمطار في وادي كاو!

لا يهم. لقد منح غابو شهرة عالمية للمدن، والبلدات، والمرافئ التي مرّ بها. أو التي اخترعها، والتي لا تزال الناس إلى اليوم ترغب في زيارتها.


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد